رحم الله شهداء الغربة

لقد اقتلعتنا الغربة من تراب الوطن الغالي ؛  والقت بنا في متاهات بعيدة ،، جعلتنا نحلم بأحلام جديدة ،، كنا في البداية نتطلع للعيش بحياة أفضل وأكرم وكنا نتطلع بنظرة من الأمل ، ونطمع في تحقيق المزيد والمزيد من الطموحات والأحلام ؛؛ ولكن دوام الحال من المحال ، وسنة الله في أرضه ، فعلى شؤاطىء الغربة تحطمت هذه الذكريات ، وابتلينا بالأزمات ،، فتأججت في اعماقنا نيران الحنين والشوق الى الاهل والوطن وقرت في الانفس غصة وفي العين دمعة ،،ولعله خير ،، فلا يعرف قيمة الوطن الا من فقد الوطن او إبتعد عن الوطن ،، فعند الأزمات والشدائد من لنا بعد الله -سبحانه ، نحس به ونلجأ اليه الا الوطن الغالي ...

لقد أصبحت الغربة في هذا الزمان قضاء وقت بلا طعم، وَسِجناً بلا حكم ولا جريمة ، وفوق هذا وذاك.. فقد ولى قطارُ العمر وفات إلى غير رجعة مع غربة لا تعرف للشط طريقا.

وإذا كان هذا حال الغربة بكل ما أفرزتها مِن سلبيات أضرت كثيرًا بالمغتربين.. لماذا لا نعيد النظر في (كنز القناعة)؟ لأنّ القناعة كنزٌ لا يفنى ونرفع هاجس الخوف الذي يراودنا من  صعوبة العيش في الأوطان ؟

وهل صحيح إن عدنا وعاد بنا الحال سنعاني أكثر مما نعانيه في الغربة؟ 

هل ما زال هناك متسع من الوقت كي نلحق بقطار العمر.؟ 

هل صحيح الغربة سجنا بلا سجان ؟

هل صحيح المغترب بنى حساباته على إدخار الأموال فقط ؟ ناسيا أن الحياة بها حسابات كثيرة أخرى لا تعوضها ولا تشتريها كنوز الدنيا.

أسئلة كثيرة وحوارات مع النفس عديدة ،، تكاد تقتل كل مغترب دون التوصل الى إجابة عليها،، ليتضح في النهاية أن الغربة سجن تعتقل الشاب داخل دوامتها.. يدخلها فى مقتبل عمره ويظل يدور فى رحاها سنوات عمره وشبابه حالما باليوم الذى يستطيع فيه اتخاذ قرار الهرب من تلك الدوامة والعودة إلى بلده وأهله ليسعد بما جمعه، لكن هيهات هيهات،، فهى مثل النداهة تظل تسحر له وتغريه بجمع المزيد والمزيد حتى يظل أسيرا لها ،، وعندما يفيق من غيبوبته،  تخور قواه ويذبل شبابه ويعجز عن العمل ،، ويصاب بالأمراض ..  وهنا فقط يتذكر أن له وطن وأهل وأحبه يجب العودة إليهم.. لكنه وللاسف يكتشف أن الوطن تغير والأهل منهم من شاب ومنهم من غيبه الموت دون حتى ان يشعر به أو يودعه والأحبة نسوه لطول سنوات الجفاء والبعد.

وبدلا من أن يعود المغترب من غربته فرحا بالعودة إلى وطنه وأهله وأحبائه بعد سنوات طويلة من الغربة والاشتياق، فاما يفاجىء الجميع بعدم عودته وموته في بلاد الاغتراب ،، او يفاجأ هو أنه عاد من غربة بعيدة إلى غربة داخل وطنه وبين عائلته.. لانه أصبح غريبا غير مألوف ولا مرغوب فيه من أناس لم يشاركهم لسنوات طويله أفراحهم ولا مناسباتهم، ولا أزماتهم ولا أحزانهم ولا نجاحاتهم... غريب حتى عن أقرب المقربين.. ووقتها قد يشعر المغترب بخطأ حساباته، حيث يتأمل كل المتغيرات حوله، ويعود بذاكرته لسنوات طويلة مضت ،ويتذكر وجوها غيبهم الموت لم يمهله الزمن حتى فرصة وداعهم.. ويسأل نفسه : هل كان الأمر يستحق؟!.. هل تعوضنى الأموال التى جمعتها ما فاتنى من سنوات العمر التى ضاعت.

رحم  الله معلمات مصر رحمة واسعة  ؛؛ ونتقدم بخالص التعازي والمواساة إلى أسر وذوي كل من: الأستاذة هبة جاد عبدالحميد السيد، والأستاذة أميرة أحمد مؤمن أحمد، والأستاذة شروق محمد السيد محمد ، واللاتي انتقلن إلى جوار ربهن في سلطنة عُمان أثر حادث سير أليم، سائلين الله أن يتغمدهن بواسع رحمته، وأن يلهم أهلهن الصبر والسلوان
 ، ورحم الله كل أحبابنا الذين ماتوا في غربتهم رحمة واسعة وأسكنهم الله فسيح جناته ... إنا لله وإنا إليه راجعون .

تعليقات